تكهناتٌ تتزايد في الساحة الكردية
مع فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، تتباين آراء المنظمات الكردية في شمال وشرق سوريا حول التغيرات السياسية المتوقعة. تُثار تساؤلات حول سياسات ترامب المستقبلية تجاه المنطقة، بناءً على تجربته في ولايته السابقة والمستجدات الجيوسياسية التي تعصف بالشرق الأوسط اليوم. ورغم الاختلافات في الرؤى، يتفق القادة الأكراد على أن عودة ترامب ستكون محكومة بعوامل دولية واقليمية ومحلية متعددة تؤثر على واقعهم ومصيرهم.
تغير الخطاب الكردي
بدأ قادة التنظيمات الكردية بتقديم تطمينات لجماعاتهم عبر تصريحات تشير إلى أن ضعف العلاقات بين واشنطن وأنقرة قد يُبقي القوات الأمريكية في المنطقة، مما يحد من أي عمليات عسكرية تركية ويدعم استقرار مناطق نفوذهم في المدى المنظور.
مع ذلك، فإن تجربة الأكراد السابقة مع سياسات ترامب، خاصة قراراته المتعلقة بتجميد الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) عام 2017 والانسحاب الجزئي عام 2019، لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الكردي.
مخاوف وتحديات الأكراد
هناك أمران رئيسيان يثيران قلق الأكراد في ظل عودة ترامب:
- التعهدات السابقة بوقف دعم “قسد”: كما حدث خلال اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2017.
- سياسة الانسحاب الأمريكي: مثلما حدث خلال عملية “نبع السلام” عام 2019، مما ترك مناطق حدودية استراتيجية عرضة للفصائل الموالية لتركيا.
تُطرح الآن تساؤلات ملحّة حول مستقبل السياسات الأمريكية ومصير الإدارة الذاتية الكردية في ظل هذه الظروف المتغيرة.
عوالق في ذاكرة الأكراد
يحمل الأكراد ذكرى الانسحاب الأمريكي من رأس العين وما تبعها من تغييرات جيوسياسية، حيث أدت هذه الأحداث إلى سيطرة الفصائل الحليفة لتركيا على مناطق حدودية استراتيجية. وقد صرح الكردي الأكاديمي في علم الآثار “سليمان إلياس” أنَّ الانسحاب الأمريكي، قد أدى إلى احتلال الفصائل الحليفة للأتراك بعض المناطق الكردية الحدودية الاستراتيجية ومنها “رأس العين”. إنَّ هذه السابقة كانت وراء توجس الأكراد من الولاية الثانية لترامب.
“ترامب رجل مال واقتصاد، وهو يركّز أكثر على المصالح المتبادلة، مثل إغلاق الطرق والمنافذ أمام الصين وزيادة سيطرتها على السياسات الاقتصادية الدولية”. “سليمان إلياس”
أما ما رشح عن عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، ونائب رئيس الائتلاف السوري المعارض “د. عبد الحكيم بشّار” بأنه لا يمكن النظر إلى منصب ترامب من وجهة نظر كردية فقط، وأنَّ الملفات أمامه متداخلة، كالحرب الروسية الأوكرانية، وملف إيران، وما يجري في غزة ولبنان، والوجود الإيراني في سوريا، والمنافسة مع الصين اقتصادياً وتقنياً، كلها ملفات تنتظر حلولاً، وأعتقد أن الملف الكردي يأخذ حيّزاً هامشياً لدى ترامب مقارنةً بهذه الملفات.
مَن لا يؤمنون بالديمقراطية كسبيل أو حل للأزمة السورية، ولا يريدون أي مشروع تفوح منه رائحة كردية. “عبد الحكيم بشار”
مصير أكراد سوريا
في سياق متّصل، تُجمع منظمات الأكراد المعتدلة والإرهابية على السواء بأن أفضل الحلول تتلخص فيما يلي:
-
عليهم أن يتجنّبوا أن تتحوّل مناطق نفوذهم الحالية إلى ساحات صراع دولي بين مختلف الأطراف.
-
أنَّه لا استقرار يحصل في شرق الفرات من دون اتفاقات مع الدول الفاعلة، خاصة مع تركيا التي تستمر بملاحقتهم على شكل هجمات برّية.
-
مصلحة الأكراد التوصّل إلى حلول مع النظام في دمشق وتعزيز الأواصر الراهنة معها عن طريق الدخول في مفاوضات للوصول إلى تحقيق الأكراد وضعاً دستوريّاً رسميّاً.
-
التمسك بوحدة المنظمات الكردية على خلاف مشاربها للاتفاق الكردي البيني، خاصة بين الإدارة الذاتية، والمجلس الكردي. وهذه الخطوة ضرورية لتوحيد الجبهة الداخلية.
-
اغتنام الفرصة القادمة التي أعلن عنها ترامب حول نواياه لتحجيم الدور الإيراني والفصائل الموالية لها وتقديم مساعدات مهمّة لإسرائيل للعب هذا الدور.
-
الإستفادة من الدور المتوقع أن يلعبه ترامب في التقريب بين قسد وتركيا، واستيعاب المخاوف التركية عبر إيجاد منطقة آمنة منزوعة السلاح مع الحدود الجنوبية لتركيا.
-
محاولة فتح قنوات التواصل بشكل أوسع مع المعارضة السورية مع تدوير الطاولة للإبقاء على خيار النظام في الوقت ذاته.
-
يرى قادة التنظيمات الكردية أنَّ التحدّيات الذاتية تتطلّب تشارك الجميع للسلطة ومراكز القرار بشكل حقيقي والتفاعل مع باقي القوى الوطنية وتعزيز الخطاب الوطني على نحو عملي وليس على نحو الجدلات العقيمة.
خلاصة القول
ترفض المنظمات الكردية زجَّها في أي صراعات جانبية أو إقليمية، خاصّةً الصراع الأمريكي الإيراني، على اعتبار أن “قوات سوريا الديمقراطية” مكوّنة من السوريين بمختلف مكوّناتهم، ونطاق عملها شمال سوريا وشرقها، وهدفها محاربة الإرهاب والدفاع عن المشروع الديمقراطي المتمثّل في الإدارة الذاتية الديمقراطيّة، وبالتالي التملص من التورط بأي تصعيد بين إسرائيل وإيران، أو بين أي قوّة دوليّة أخرى وإيران، وعلى المنظمات الكردية كافةً ألا تكون طرفاً في أي صراع أو نزاع.
ويتساءل المراقبون السياسيون هل بدأ الأكراد في التنازل عن اقتسام قطعة ذات ثروات طبيعية من الجغرافيا السورية كي تكون نواة الدولة الكردية التي يحلمون بها؟
الأيام القادمة ستكشف الإجابة، والمخاض مستمر.