في كل اجتماع أو مؤتمر، تأتي الضغوط ليسعى البعض لتقديم أعمالهم على أنها مثالية،بينما يحاول آخرون تشويهها، إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن الكمال للخالق وحده،وأن الجميع معرضون للخطأ والصواب. إن الملائكة وحدهم في السماء والشيطان وحده على الأرض، “ملائكةً وشياطين”، فهل هذه هي الحقيقة الوحيدة؟ ” أحمد منصور”
عقب مشاركتي بصفة عضو في اللجنة التحضيرية في الاجتماع الموسّع الذي عُقد في جنيف يومي 15 و16 شباط 2025، حيث ضمّ قوى وشخصيات سياسية ومدنية سورية وطنية، وبحضور غير رسمي لممثلين مستقلين عن حكومة الفصائل المؤقتة في دمشق، أحببت تسليط الضوء على أهمّ النتائج التي تم التوصّل إليها بكل شفافية يمليها عليّ واجبي الوطني. والحق أقول أنَّ هذا الاجتماع كان خطوةً هامّة نحو بناء دولة وطنية ديمقراطية قائمة على المواطنة. وقد سعى الاجتماع، بجدية تامة، إلى إيجاد حلولٍ مستدامةٍ للأزمة السورية عبر تعزيز المشاركة السياسية الوطنية الديمقراطية الشاملة..
ناقش الاجتماع تطورات الأوضاع السورية، مؤكداً المشاركون على أهمية انخراط كافة القوى السياسية والشخصيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني بالعملية السياسية، إيماناً منهم بأن المشاركة السياسية الفعّالة ركيزة أساسية لبناء دولةٍ قائمة على المواطنة والعدالة الاجتماعية. واتّفق المجتمعون على ضرورة إعادة ضباط الجيش المنشقين أو المُسرحين إبان نظام الأسد السابق، غير المتورطين بجرائم حرب أو انتهاكات حقوق الإنسان، إلى المؤسسة العسكرية للمساهمة في إعادة تأهيلها وتنظيمها، وبناء جيش وطني وأجهزة أمنية احترافية، ذات عقيدة وطنية، تلتزم بالدستور وحقوق الإنسان، وتقتصر مهمتها على الدفاع عن الوطن والشعب، كقوة فصل وطنية حيادية.
أشادَّ المجتمعون على تضحيات الضباط الأحرار المنشقين ونضالهم ضد نظام الأسد البائد، مؤكدين على ضرورة عودتهم لمؤسسة الجيش لما يتمتعون به من كفاءة وخبرة.
ناشد المجتمعون المجتمع الدولي إلغاء العقوبات المفروضة على خلفية جرائم نظاميّ حافظ وبشار الأسد، والذي انهار في ٨ كانون الأول ٢٠٢٤، داعين إلى توفير دعم اقتصادي مشروع عبر منظمات الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون الخليجي، والدول الغنية، لمساعدة ملايين السوريين الذين يعانون من الفقر المدقع. كما طالبوا المنظمات الإنمائية والتنموية والتعليمية بتعزيز قدرات السوريين على دخول سوق العمل، وتنفيذ مشاريع استثمارية تنموية لإنعاش الاقتصاد السوري، وحثوا الدول المعنية على دعم قرار رفع العقوبات المفروضة على سوريا بسبب جرائم الأسد ومسؤوليته.
أوصى المجتمعون على ضرورة إصدار إعلان دستوري مؤقت ينظم حياة جميع السوريين، ويُنظم شؤون الدولة ومؤسساتها، ويُحدد عملها وعلاقتها بالمجتمع قانونياً وخدمياً ووضع السلطة الانتقالية تحت رقابة القضاء الأعلى وسلطة القانون السوري.
واتفق المجتمعون على أهمية الوصول إلى قيادة سياسية للبلاد برلمانية ومحلية، بما يشمل رئيس الدولة ورئيس الحكومة والنواب والمحليات، يتم اختيارهم عبر انتخابات حرة وشفافة، بما يسمح للسوريين وضمن أجواء حرية التعبير والاختيار من خلال الاقتراع، وهو المبدأ الأساسي لأي نظام وطني مدني ديمقراطي حقيقي.

وقد أكد المجتمعون في جنيف أنهم ليسوا كياناً معارضاً للسلطة الانتقالية القائمة في سوريا، بصرف النظر عن خلفيتها الدينية أو السياسية، بل شددوا على حقهم في العمل من أجل سوريا من داخلها وخارجها، وفق خارطة طريق تقوم على الحوار والتوافق مع الجميع، وليس الصدام العنفي والأمني، بهدف التشارك من أجل بناء دولة وطنية مدنية تعددية.
تمسك المجتمعون على وحدة الأراضي السورية وعدم جواز التجزئة أو التفريط بأي جزء منها، وعلى أن جميع المواطنين سوريون بغض النظر عن مرجعيتهم الدينية أو العرقية أو القومية، وأن الدستور وحقوق الإنسان والمواطنة والحريات العامة والخاصة، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير والنشر، تكفل حقوق الجميع.
استندت توصيات الاجتماع إلى مبادئ الحوكمة الوطنية، وسيادة الدولة، وصنع القرار الوطني المستقل. واتفق المشاركون على ضرورة أن يتم العمل السياسي عبر الحوار والتفاوض السياسي والسلمي مع جميع الأطراف السورية، دون أي تمييز ديني أو قومي أو عرقي.
وفي هذا الإطار، شدد الاجتماع على أن سوريا وطنٌ لجميع مواطنيها، أفراداً وجماعات، وأن وحدة التراب والمصير السوري تستلزم تبني مفهوم شامل للمظلومية السورية، تُعالج فيه كافة المظالم، بما في ذلك المظلومية الكردية، ضمن إطار دولة المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية.
ولقد اختُتم الاجتماع الموسع الأول بتشكيل لجنتين رئيسيتين:
- اللجنة الحقوقية:
تُعنى بمسألة العدالة الانتقالية، وملاحقة مجرمي الحرب، والسعي لتقديم كافة الوثائق المتوفرة بشأن الممارسات الوحشية والانتهاكات والتعذيب التي ارتكبها النظام السابق في سوريا وخارجها ضد الشعب السوري. كما دعا المجتمعون إلى تشكيل فريق خبراء مختصين لتقصي الحقائق والتحقيق في الانتهاكات، سواء الفردية أو الممنهجة، ورصد الوضع الإنساني في سوريا، حفاظاً على حياة الإنسان وكرامته وأمنه واستقراره، كخطوط حمراء تكفلها القوانين والتشريعات الدولية، بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه سوريا.
- لجنة المتابعة السياسية:
تمَّ تسميتها اللجنة الوطنية الديمقراطية المناط إليها العمل على متابعة مخرجات الاجتماع الأول، والتواصل مع كافة التيارات والأحزاب والتجمعات السياسية والشخصيات الوطنية والمنظمات والفعاليات المدنية، لدعوتها للمشاركة في اجتماع أوسع نطاقاً، لتشكيل مظلة وطنية ديمقراطية واسعة، قائمة على أسس المواطنة وحقوق الإنسان والحوكمة الوطنية، للمشاركة في بناء دولة سورية حرة، جمهورية وطنية ديمقراطية تعددية، بناءً على دستور يُقرّه الشعب، وانتخابات نزيهة، ومراقبة من شبكة الحقوقيين والمنظمات ذات الصلة الأممية الرسمية والغير رسمية.
والخلاصة:
أرسى المجتمعون في جنيف حجر الزاوية لمسار حل سياسي قائم على الاعتراف بالآخر، والحوار الشامل، والتمسك بوحدة سوريا أرضاً وشعباً. إنها خطوة وطنية واعدة بمستقبل سوري ديمقراطي شامل، يحقق تطلعات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة. وقد شمل الاجتماع كافة الجوانب السياسية، والعسكرية، والأمنية، والاجتماعية، والحقوقية، مع التأكيد على ضرورة دعوة السلطة الحالية لتوسيع قاعدة المشاركة لتشمل كافة التيارات والأحزاب والتكتلات السياسية الديمقراطية، العلمانية، والليبرالية، والشخصيات الوطنية من مختلف المرجعيات الدينية، مع تنوع الانتماءات. كما ندد المجتمعون بالجرائم والانتهاكات، مهما كانت فردية، وطالبوا السلطة الحالية بوقفها ومعالجتها. وشدد المشاركون على ضرورة رفع العقوبات ودعم التعافي الاقتصادي في سوريا.
دمشق : 19/02/2025.