مقدمة
لا يوجد علاقة مباشرة بين الزمكان والحرية في المعنى الحرفي. الزمكان يشير إلى الأبعاد الثلاث (الطول والعرض والارتفاع) التي تحدد المكان الذي نحتله في الفضاء. بينما الحرية هي حالة تتيح للفرد أو المجتمع التصرف والتحرك وفقًا لإرادتهم دون تقييد أو قيود.
ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك ارتباط غير مباشر بين الزمكان والحرية. على سبيل المثال، الحرية في الحركة تعتمد على الحرية من التقييدات الفضائية أو المكانية، حيث إن تواجد حواجز أو تهديدات قد تؤدي إلى قيود على حركتنا وحريتنا في التنقل.
عندما نتحدث عن الحرية في سياق أوسع، مثل الحرية الشخصية أو الحقوق الأساسية، فإن الزمكان يصبح عاملاً مؤثرًا. فالمكان – أي البيئة التي نعيش فيها والتنظيم الاجتماعي والسياسي للمكان الذي نتواجد فيه، يمكن أن يؤثر على مدى حريَّة تصرفاتنا واختياراتنا.
على سبيل المثال، في بعض المناطق التي تعاني من ضعف في السياسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، قد تكون الحرية المدنية والسياسية محدودة، وبالتالي قد يكون للزمكان تأثير سلبي على حرية الأفراد في هذه المناطق. وعلى العكس، في المناطق التي تشهد استقرارًا سياسيًا واحترامًا للحقوق الأساسية، قد تكون الحرية أكبر.
بالتالي، يمكن القول إن الزمكان قد يؤثر بشكل غير مباشر على الحرية من خلال الظروف والعوامل الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تعيش فيها الأفراد في تلك المناطق، يمكن اختصارها بما يلي:
-
الحرية في الزمكان الجغرافي
الاختلافات الجغرافية تمثل جزءًا من سياق الحرية. ففي بعض المناطق، قد تكون الظروف الطبيعية قاسية وتحد من حرية الإنسان، مثل الصحاري القاحلة أو الجبال الشديدة الانحدار. يجدر بالذكر أن الإنسان تعلم على مر العصور كيف يتكيف مع بيئته ويتغلب على قيودها، ولكن لا يمكن إنكار أن الظروف الجغرافية قد تؤثر في حياتنا وحريتنا.
-
الحرية والمدنية والسياسية
كما ذُكر في الاستجابة السابقة، يؤثر النظام السياسي والاجتماعي للمكان الذي نعيش فيه على حرية تصرفاتنا. في الديمقراطيات التي تحترم حقوق الإنسان وتكافح الظلم والتمييز، يمكن أن تتوفر حرية أكبر للأفراد في التعبير عن أنفسهم وممارسة حقوقهم المدنية. وعلى النقيض، في الأنظمة القمعية والتي تنتهك حقوق الإنسان، قد تكون الحرية مقيدة بشكل كبير.
- الاقتصاد والحرية: الاقتصاد يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في حرية الأفراد. في المناطق التي تتمتع باقتصاد قوي، وفرص عمل واسعة، قد تكون للأفراد حرية أكبر في اختيار وظائفهم وتحسين مستوى معيشتهم. ومن الناحية الأخرى، إذا كانت هناك نقص في الفرص الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، فإن الحرية المالية والاقتصادية يمكن أن تتأثر سلبًا.
-
حرية التنقل والهجرة
قد يؤثر الزمكان أيضًا على حرية التنقل والهجرة. في بعض الدول، قد تكون هناك حواجز قانونية أو جغرافية تمنع الأفراد من الانتقال بحرية بين المناطق والبلدان. بينما في مناطق أخرى قد تكون هناك سياسات تشجع على الحرية في التنقل وتقديم حق اللجوء للمحتاجين.
-
الحرية الثقافية والدينية
تختلف حرية الممارسات الثقافية والدينية بناءً على الزمكان الذي نتواجد فيه. في المناطق ذات الثقافات المتنوعة والدينية المختلفة والتسامح المجتمعي، قد تكون الحرية الثقافية والدينية أكبر. ولكن في المجتمعات التي تعاني من التعصب والتمييز، قد تكون هذه الحرية محدودة.
في النهاية، يمكن القول إن الزمكان له تأثيرات غير مباشرة على حرية الأفراد والمجتمعات، وتعتمد درجة تأثيره على الظروف الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للمكان. وبالطبع، هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في الحرية، بما في ذلك الثقافة والتعليم وحقوق الإنسان، وجميعها تتشابك معًا لتحديد درجة حرية الأفراد والمجتمعات.
سوريَّة “نموذجاً”
سوريَّة، هذا البلد المستلقي ما بين شاطئ البحر الأبيض المتوسط والصحراء الحبلى بالثروات الواسعة، يتغنى بأول أسطورة بشرية “تعامت” التي سطرت بداية الوعي الإدراكي لدى الإنسان الهوموسابين لمفهومي الزمان والمكان، عندما انشق السديم بخط من النور ليشكل السماء في أعلاه والبحر أسفله (حدوث خط النور = الزمان / أعلى وأسفل = تحديد المكان). هذا البلد غنيُ بالتنوع الجغرافي والثقافي. لكن استعمال مصطلح الزمكان السوري يثير تساؤلات عديدة:
- كيف تتشابك الحرية مع البيئة ومع المجتمع، ومع حياة الفرد في هذا الزمكان المعقد؟
- هل يمكن أن يلعب الزمكان دورًا في تشكيل حريته ووعيه المجتمعي؟
- إنها ليست قضية ذات جدل، بل إنّ بعض الأفكار المثيرة للاهتمام تحسم ذلك.
المكان (البيئة) والحرية
لو تسلَّلت على ضفاف البحر الأبيض المتوسط لشاطئ سوريَّة، ستجد نفسك أمام منظرٍ خلاب لمياه البحر تمتزج بألوان الغروب. هذا المكان الجميل يمكن أن يكون مصدرًا للسلام الداخلي والحرية الروحية. ولكن في ظل النزاع والصراع السياسي، تحولت بعض مناطق الساحل وامتداده إلى الداخل، أصبح عبارة عن مناطق مقيدة وغير آمنة، مما أثر على حرية الأفراد في الاستمتاع بجمال هذه البيئة الساحرة.
السوريون تعايشوا مع طبيعة متنوعة، وهذا الاتصال بالبيئة يشكل جزءًا من هويتهم. لكن تلك البيئة تأثرت بشدة بالنزاعات والظروف السياسية، وقد تم التعرض للتلوث والتخريب في بعض المناطق، مما أثر على الحياة اليومية وحرية الاستمتاع بالبيئة.
تطور الوعي المجتمعي في سوريَّة زمكانياً
يمكن أن يكون الوعي المجتمعي الأساس لتحقيق حرية أكبر في سوريَّة. في السنوات الأخيرة، شهدت البلاد تحولات هائلة في الوعي المجتمعي تعاظمت في الفترة ما قبل النزاع الدموي في العام 2013، حيث شجعت الحوارات حول الديمقراطية والمشاركة المجتمعية على توسيع مجالات الحرية والديمقراطية. لقد تم تشكيل وعي الفرد والمجتمع زمكانياً وفقًا للظروف والبيئة المحيطة بهم. في فترة معينة، كان هناك تحسن في الوعي وحرية التعبير والمشاركة المجتمعية. كان الحديث عن الديمقراطية والحقوق الإنسانية موضوعًا شائعًا في الأماكن العامة. وكان الناس يستفيدون من الحرية في التجمع والتظاهر والتعبير عن آرائهم.
سيرورة الزمكان السوري
لكن تغيرت الأمور تمامًا مع اندلاع الثورة الشعبية على النظام المستبد، مما زاد القيود على حرية التعبير والحرية السياسية بشكل مطبق وشامل، وكمثال تم حجب العديد من المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تقييد حرية الوصول إلى المعلومات والتعبير عن الآراء. وقد شهدنا تداولًا مكثفًا للمعلومات والتوجيه المؤثر من قبل الأطراف المتصارعة.
ومع ذلك، نشأت أيضًا مجموعات ومبادرات مجتمعية تعمل على زيادة الوعي والمساهمة في تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية. هذه المبادرات تعمل على التصدي لما يجري وتوفير منصات آمنة للتعبير عن الآراء. وكلما كان عدد المطالبين بالإصلاح يزداد، كان بطش قتل معارضي النظام يشتد باطراد. حقاً، انعدمت حرية التعبير وتجمع الأفراد تحت وطأة القمع والتهديدات. وطغت انتهاكات حقوق الإنسان المشروعة على الحوار والتفاهم.
هل يحمل الزمكان السوري أي انفراج مستقبلي؟
على الرغم من التحديات الهائلة التي واجهت سوريَّة في السنوات الأخيرة، يجب أن نرسم خارطة طريق لتحقيق الأمل في المستقبل. ولكن بدون متابعة وقوفنا خلف متراس ثوابت الثورة السورية، لايمكننا إنهاء دور النظام جذرياً. وبعدها نستطيع تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية، الأمر الذي يعيد للمجتمع السوري مزيداً من الحرية والديمقراطية. وكلما وقفنا جميعنا مؤمنين مخلصين لثوابت الثورة، مكنَّا الزمكان السوري أن يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل حياة الأفراد ومجتمعهم. البيئة والمجتمع تتفاعلان مع حياة الفرد بطرق معقدة، ولكن من خلال فهم هذا التفاعل، يمكننا تحقيق أمل أفضل لمستقبل سوريَّة وتحقيق مزيد من الحرية والوعي المجتمعي.
الختام
في النهاية، يجب أن نذكر أن الزمكان ليس مجرد زمان كوني ومكان جغرافي. إنه محيط وعيٍ يتفاعل مع الناس والمجتمع والسياسة والثقافة. إنها قصة متشابكة للبيئة والثقافة والحرية. يجب أن نعمل جميعًا نحو تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية في “الزمكان السوري” وفي كل مكان آخر. العالم بحاجة إلى فهم عميق لهذه العلاقة بين الزمكان والحرية لضمان مستقبل أفضل للجميع.