سوريا.. بين طموحات المستقبل وآلام الماضي
ذاك المستقبل الذي ينتظره ملايين السوريين، على أحر من الجمر، الذين يعيشون على هامش الحياة، وفي المخيمات، ودول اللجوء، وحتى في الداخل، الكل بلا إستثناء يحمل في وجدانه “سوريا بين طموحات المستقبل” بما فيه من ويلات حرب ضروس فككت المجتمع السوري، وقضّت مضجع الناس، ودمرت الاقتصاد والتعليم والجيش، وكل شيء، وحولت سوريا لبقعة هي الأخطر على وجه الأرض،عندما ظهرت هناك قوى ظلامية تدخّلت كأياد خارجية لا تريد الحل السياسي ولا العسكري إن طالبت به. فالحل السياسي في سوريا أصبح كالسراب يحسبه الظمآن ماءً فيهرع نحوه فلا يجد مبتغاه!
أرادوا لسوريا
صناع الكارثة السورية ومبرمجوها يريدون لسوريا أن تكون ثقبا أسودا، يلتهم كل من يحمل في رأسه فكراً جهادياً، ومطحنة تطحن البلد وتعيده إلى العصور الحجرية، وبين هذا وذاك يجعلون منها عبرة للغير، يضربون بها الأمثال، ويحذر الحكام الطغاة شعوبهم قائلين: أنظروا كيف تحولت سوريا بسبب غباء أهلها الى بلد فاشل مدمر آسن لا ماضٍ ولا حاضِر وإن شئت ولا مستقبل أيضاً. هذه الدول الإقليمية أرادت أن تكون اللعبة في غير ملعبها، والصراعات الاقليمية تحسم في أرض الغير، واختاروا أرض الشام ليس عبثا ، لأن هناك اثمان يجب دفعها ، فالذين شنقوا صدام حسين ودمروا العراق كانوا يقولون صراحة سوريا المحطة التالية .
حلول سوريالية
لا يستطيع سياسي على وجه الأرض أن يستبعد العبثية الدولية وكلامها السوريالي عن حل سياسي في سوريا يحقق طموحات الشعب السوري، ويعيد للبلاد ربيعها المزدهر، فالكلام لاثمن عليه ، وليس هناك إرادة إقليمية للحل في سوريا في وجود تعنت من كافة الأطراف المتنازعة ، والعصي لا تقف في العجلات كما نظن لأنه ليس هناك عجلات أصلا ، بل أسلحة موزعة على مئات الفصائل وقلوب شتى وكل يريد نصيبه من الكعكة.
سيرورة مازالت بلا صيرورة
حتى اللحظة وبعد كل تلك السنوات، لم يفهم الأسد وحزبه أن الشعب أكثر وعياً ونضجاً، وأنه ثمة ألف سبب ليترك الحكم ويرحل، وهذا بالطبع مصيره في النهاية، ولكن متى ستكون النهاية؟ الشعب الذي بقي في الداخل تحت سلطته لا يعيش مع الأزمات فحسب بل صار هو أزمة بحد ذاته، ومات الناس جوعا وقهراً وبرداً، حتى من المؤيدين له، دون المستفيدين من سرقة أموال الدولة من مساعدين للأسد، ولا حلّ لكل تلك المعاناة إلا بالوصول إلى حل سياسي سوري سوري يجب ان يرضخ الأسد له ، هكذا تقول الإدارة الأمريكية، وكذلك تؤيده الدول المعنية.
إنَّ الإدارة الأمريكية تؤدِّب صبيانها.. فيا عقلاء الموالاة الذين لديهم بقايا وطنية وأسمال شرف، أليس ما تتمسكون به قد بدا بواره وزالت أيامه، إن كانت مؤامرة كونية كما يدعي الأسد ما هو إلا تبرير فاشل، لأنه لم يستطع التصدي لها، ولم يبني مجتمعاً متماسكاً موالٍ للسلطة، لأنَّ أغلبه ناقم عليه أشد نقمة، ولم يعد أسدكم إلا كفأر منهك يقطن في جحر داخل حي المهاجرين.
ما بين العجز والإرادة
أليس من عجز على التصدي وليس بيده أية أوراق يلعب بها ولا حجارة للشطرنج تفيده.. الحكمة تقول أنْ يتنحى الأسد وأنْ ويرحل، وعلى من تبقى من بطانته أن تحني رؤوسها لواقع جديد يتيح لمن بقي في الداخل أن يعيشوا بحرية وكرامة في وطن زالت عنه كلمة الوطن لعقود ؟
وفي المقابل متى يفهم المعارضون أن السياسة هي فن الممكن، وأن العملية السياسية هي فهم وتقبل واقع التعددية الموجودة ضمن المجتمع السوري، وإنهم إن عجزوا عن تشكيل جسم واحد يطبق الديمقراطية ويؤمن بصندوق الانتخاب، ويعي الواقع والظروف الإقليمية، يكونوا أعجز من ان يتدبروا أمور بلدٍ فيه تحيق به نوازع شتى من كل تلك الأطراف المتنازعة، وان عدم فهم الواقع وإدراك المٱلات سيعيد ألف مرة دوامة العنف التي ضحَّت بمئات الآلاف من الشعب البريء الأعزل.
الكابوس
ليت الأسد كان كابوساً لكان أراح واستراح!… لأنَّ الكوابيس تأتي لبرهة وتزول. ولكن كوبسته لن تزول ما لم يتحلى أهل السياسة من النخب الوطنية بالشجاعة الحقيقية ويضعوا الحل على الطاولة ويتعاملوا بواقعية بعيداً عن الخيال لأنهم ليسوا في المدينة الفاضلة، فإن دوامة العنف لن تنتهي وسيبقى الأسى يعتصر القلوب لعقد آخر من الزمن وربما لأكثر. الكل ينتظر تدخلا سماويا ، ولكن السماء لن تتدخل بما يمكن لأهل الأرض إصلاحه.
الحل السياسي ليس بعيد المنال إذا تم العمل من كافة الأطراف بصدق للوصول إليه، هو من حيث النظرية لا غبار عليه ومن حيث الواقعية لا عمل عليه.
ما الحل إذن؟
الدول ذات العلاقة بالشأن السوري حتى اللحظة لديها هواجس حقيقية حول المعارضة السياسية وقوى الثورة الوطنية باعتبارها كارثة بالنسبة لها… لا تريدها ولا تتمناها، ولكن يتوجب على هذه القوى أن تسعى لإقناع تلك الدول بثوابت الثورة الوطنية التي تتمرس وراءها بادئ ذي بدء قبل أن تقنعها أنها قادرة على التوحد لإيجاد حل سياسي سوري سوري فيما إذا خرجت تلك الدول والمرتزقة من المشهد السوري. .
ولكن …!
إذا كانت المفاتيح ليست بيدك، فمن السياسة أن تعرف أين ومتى وكيف تحصل عليها ، الغرب ليس مخلوقات فوق بشرية، ولا يمكن لنا أن نتعامل معها، هنا يأتي دور الموازاة والمقاربات، وحسن إدارة الظروف والإمكانات. صحيح أنَّ الأطراف المتنازعة كثيرة ومتعددة النوايا، لكن الصادقين كثر ، كما أنَّ المراهنة على الزمن قد يطول أو يقصر ونحن ننتظر الظروف الاقليمية المناسبة، ونخلق المناسبات المجدية النتائج، والإعداد يجب أن يتناسب مع المرحلة.
مواقف …
هذا العالم لا يفهم غير القوة ولغة القوة، وعندما تكون قوياً يُسمع صوتك. مائة ألف مقاتل أو يزيد في المحرر قوة لايستهان بها، لكنها معطلة بقرار إقليمي ودولي، تعيش وهم توحيد الدولة أو الانفصال، وشرقي الفرات كمثال على ذلك. وهذه أقصى أمنية يتمنى النظام وحلفاؤه تحقيقها، لكنَّ وعينا يتصدى لها ويمنع ذلك..
كل من يفكر في الانفصال خائن لبلده ووطنه ودينه ،الثورة السورية منذ نشأتها تدافع عن كل المقهورين وتطلب الحرية لهم، وهم الآن تحت ظل النظام يعيشون اسوأ كوابيسهم.
صيرورة حتمية
لا ريب أن النظام مازال صامدا بفعل روسيا وإيران اللتان لا تريدان سوى إزعاج أمريكيا وإبعادها عن المنطقة ، ولاريب أن إسرائيل لعبت دورا ثمينا في بقاء النظام من خلال تأثيرها على الطرف الأمريكي، ولا شك أن قوى الثورة لم تستطع بعد التوحد والإقناع، ولا جدال بأنَّ القوى العربية والإسلامية تقوم بدور لاعب احتياط، والأسد يدرك أن بقاءه لم يعد شأناً داخلياً بل قراراً دولياً. وأنَّ إعادة تعويمه ضرب من الخيال، لأنه غارق يغوص للأعماق، وسقط الرهان بأنَّ الإعتماد على الجانب الاقتصادي لوحده لن يجدي نفعاً. وسبيل إسقاطه رهان ضعيف، واستشراف المستقبل القريب أمر عسير، وبات استشراف المستقبل القريب أمراً عسيراً، إذ لابدَّ للاعب الاقليمي أنْ يدرك أنَّ الورقة احترقت وأنه يجب رميها قبل أن تخرج الامور عن السيطرة، فحتى العلويون والدروز تململوا من بقائه ولايستطيع اسكاتهم لكي لايفقد صفة حامي الاقليات .
قد لا يسقط الأسد في الوقت القريب، خاصة في ظل وضع جيوسياسي عالمي معقد، لكن الوضع الاقتصادي مع التغيرات الاقليمية، قد تغير قواعد اللعبة قليلاً.
وإلى أن يأتي ذاك الصباح التي نرى تلك الغمة الأسدية قد زالت وظهرت شمس الحرية على جميع الوطنيين والمخلصين السعي الحثيث لجمع الكلمة ولمّ الشمل وصناعة الجيل واستشراف المستقبل والإستعداد لتلك اللحظة التي قد تأتي نصرة للمستضعفين وثأرا للمظلومين،
فكم زال من هو أشدّ منهم قوة.