تستحوذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد جي ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات على اهتمام الأوساط السياسية، ليس فقط بسبب الصفقات الاقتصادية المتوقعة مع الخليج، بل أيضاً بسبب احتمال عقد لقاء مثير للجدل مع أحمد الشرع رئيس سلطة الأمر الواقع في سوريا، الشخصية المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية والأممية. هذا الاحتمال يضع الإدارة الأمريكية في مأزق سياسي معقد، حيث تتصادم المصالح الاقتصادية مع اعتبارات الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، ويُثير تساؤلات دولية حول طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.
استشراف التداعيات
وفق قراءتي السياسية في وضعية توازن المصالح و تكتيكات الواقعية السياسية، أرى أن الإدارة الأمريكية قد تُبرر لقاءً كهذا بضرورة التعامل مع الواقع الجيوسياسي في سوريا، حيث يُسيطر الشرع على مناطق استراتيجية وغنية ببعض الموارد الهامة منها الفوسفات. هذا النهج الواقعي، الذي يُركز على المصالح الوطنية الأمريكية، قد يدفع الإدارة الأمريكية إلى تجاوز الاعتبارات الأخلاقية والقانونية، ولكن بذات الوقت يضع أمريكا في نقطة الحرج الدولي الذي من الممكن أن يسبب في ضعف تأثيرها على عدة شؤون وملفات عالمية حيث سوف يكون لها تأثير سلبي ومن الممكن أن يُؤدي لقاء كهذا إلى تداعيات خطيرة على التحالفات الأمريكية في المنطقة، خاصة مع الدول التي تُشارك الولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب. إذ قد يُنظر إلى هذا اللقاء على أنه خيانة للشركاء، ويُقوض الثقة في الالتزامات الأمريكية.
كما لا يمكن تجاهل أن الرسائل السياسية المتضاربة التي سوف يُرسلها لقاء كهذا، إلى الأطراف الإقليمية والدولية. فمن ناحية، يُمكن أن يُفسر على أنه إشارة إلى استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع أي طرف يُحقق مصالحها، بغض النظر عن سجله. ومن ناحية أخرى، يُمكن أن يُنظر إليه على أنه تنازل عن مبادئ مكافحة الإرهاب، وتقويض الجهود الدولية في هذا المجال ومما يتيح أيضاً لبعض الجماعات والتنظيمات المتطرفة بأن ترسل ذات الرسائل للتفاوض على الإعتراف فيها مقابل صفقات مالية اقتصادية
أما في الإنتقال إلى السياسة الداخلية الأمريكية، أعتقد في حال حدوث ذلك قد يواجه ترامب انتقادات حادة من الكونغرس وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، التي تُعارض بشدة أي لقاء مع الشرع. وقد تُؤدي هذه الانتقادات إلى تداعيات سياسية داخلية، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي الحاد في الولايات المتحدة.
صيرورة الزيارة
أن اكتمال الإطار الجامع لهذا التصور يتطلب تناول ما يدور في الأفق من وفق منظور ما هي الرهانات الجيوسياسية للإدارة الأمريكية التي من الممكن أن تدفعها نحو إجراء هذا اللقاء، ولكن هذه المرة وفق عقلية السيد ترامب البراغماتية والمُعلقة بالاقتصاد والاستثمار العابر للقارات من حيثية النفوذ الإقليمي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تنافساً شديداً بين القوى الإقليمية والدولية. وقد تُبرر الإدارة الأمريكية لقاءً كهذا بضرورة الحفاظ على هذا النفوذ، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ والقيم، كما يمكن أن تُشكل الصفقات الاقتصادية المحتملة مع الشرع حافزاً قوياً للإدارة الأمريكية، التي تسعى إلى تحقيق مكاسب اقتصادية في قطاع التعدين السوري. وقد يدفع هذا الحافز الإدارة الأمريكية إلى تجاهل المخاطر السياسية والأمنية.
وفي النظر إلى ما يمُمكن أن يكون أو لا يكون يُثير لقاء كهذا تساؤلات حول مستقبل سوريا، ودور الولايات المتحدة في هذا البلد. وقد يُنظر إليه على أنه إشارة إلى استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع شخصيات مثيرة للجدل، من أجل تحقيق أهدافها في سوريا، وعلى سبيل المثال صفقة القرن ومبادرة السلام الإبراهيمي، حيث تُعد المساعي المتكررة للشرع في إرسال إشارات علنية بعدم معاداة إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة، هي استعداده لقبول أي اتفاق مباشر يُضمن مصالح إسرائيل وأمنها، حتى لو تطلّب ذلك التنازل عن القنيطرة ومرتفع جبل الشيخ وبعض المناطق التي احتلّتها إسرائيل عقب سقوط نظام الأسد، مقابل الاعتراف بشرعية الشرع على حكم سوريا بمعيَّة هيئة تحرير الشام وضمان استمرارهما.
إذاً هل تنقل الإدارة الأمريكية الشرع من قوائم الإرهاب إلى صفقات المليارات: هل سوف يُعيد ترامب تعريف الإرهاب ؟ ويُشعل منطقة الشرق الأوسط!.
في الختام
إن زيارة ترامب إلى الخليج تحمل رهاناً جيوسياسياً محفوفاً بالمخاطر، حيث تتصادم المصالح الاقتصادية مع اعتبارات الأمن القومي والمبادئ الأخلاقية. يجب على الإدارة الأمريكية أن تُدرك أن أي قرار تتخذه في هذا الشأن سيُؤثر على علاقاتها الإقليمية والدولية، وسيُحدد مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.