تحرير سوريا والخيارات المطروحة
شهدت سوريا خلال السنوات الأخيرة أحداثاً دراماتيكية أعادت تشكيل خريطة جديدة من التحديات صراع، بعد معارك تحرير بعض المدن السورية من قبضة النظام أو القوى المتطرفة، وصولاً إلى استعادة المعارضة زمام المبادرة في مناطق معينة. هذه التطورات كشفت عمق المأساة السورية لكنها أبرزت أيضاً صمود السوريين وإصرارهم على تحقيق الحرية. في هذا السياق، رشحت أفكار مستجدَّة عن الدكتور صلاح وانلي، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي السوري، تُقدم رؤية شاملة للمشهد السياسي الراهن والآفاق الممكنة لمستقبل سوريا.
لمحة عن حياة الدكتور صلاح وانلي
الدكتور صلاح وانلي، شخصية بارزة في المعارضة السورية والسياسة الألمانية، نشأ في دمشق في كنف عائلة ذات جذور ثقافية ووطنية. غادر سوريا منذ عام 1973 إلى أوروبا، حيث درس الطب وبرز كطبيب متميز في ألمانيا، مؤسساً مشفاه الطبي الخاص الذي أصبح عنواناً للكفاءة الطبية والإنسانية. (لذلك اخترنا في صورة المقال لقطة شخصية له تعود إلى تلك الفترة المبكرة).
على المستوى السياسي، انخرط الدكتور وانلي في الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) بألمانيا، وتم انتخابه نائباً برلمانياً، حيث أسهم في صياغة سياسات تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان حيث كان له دوراً بارزاً في إقناع السلطات الألمانية بفتح الحدود للإدخال 800 ألف سوري ينتظرون قبولهم كلاجئين. بالرغم من استقراره في المهجر، لم ينفصل عن قضايا وطنه الأم، بل ظل مدافعاً قوياً عن حقوق السوريين، ليؤسس مع كوكبة من القامات الوطنية السورية في عام 2012 “التجمع الوطني الديمقراطي السوري” كإطار عمل سياسي يوحد قوى المعارضة لتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة.
التجمع الوطني الديمقراطي: لوحة فسيفساء سياسية
يقدم الدكتور وانلي تعريفاً شاملاً للتجمع الوطني الديمقراطي السوري، الذي تأسس في 2012 وأُعلن عنه رسمياً في غرة العام 2013. يصفه د. وانلي بأنه “منصة سياسية جامعة” تضم أطيافاً متنوعة من القوى الوطنية والديمقراطية والشخصيات المستقلة. يشرح الدكتور وانلي فكرة التنوع داخل التجمع، مشبهاً إياه بلوحة فسيفساء غنية، حيث يُثري كل عضو هذه اللوحة من موقعه وخبرته.
“رغم اختلاف التوجهات والرؤى بين القوى المنضوية في التجمع، إلا أن ما يوحدها هو الهدف الأسمى: بناء دولة سورية حرة، خالية من الاستبداد والفساد، وقائمة على أسس الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. هذه الوحدة في التنوع هي ما يميز التجمع عن الكيانات الأخرى، إذ يعمل على تجاوز الخلافات وتحويلها إلى عوامل قوة تصقل الرؤية المستقبلية لسوريا”. “د. وانلي”
التحديات وآليات التنفيذ
سعى الدكتور وانلي في الفترة الأولى من مسيرة الثورة، تطبيق القرار الأممي 2254. وكان يرى أنه يمثل حجر الزاوية لأي حل سياسي للصراع السوري، كونه الإطار الدولي الوحيد الذي يتيح فرصة حقيقية لاستعادة سيادة الدولة السورية وتحقيق تطلعات شعبها. ولطالما أوضح في تصريحاته أن التجمع الوطني الديمقراطي يتبع خطة متعددة المحاور لتنفيذ هذا القرار:
-
-
- تعبئة الشارع السوري من خلال المؤتمرات والندوات التوعوية التي تسلط الضوء على أهمية القرار.
- توحيد القوى السياسية الوطنية خلف هذا الهدف المشترك، حيث يرى أن الضغط الشعبي هو القوة الدافعة الأولى لتحقيق أي تقدم.
- العمل الدبلوماسي المستمر مع القوى الإقليمية والدولية لتذكيرها بمسؤولياتها تجاه الشعب السوري.
-
كان د. وانلي يشدد ا على أهمية جعل القرار 2254 حقيقة واقعة على الأرض، محذراً من أن أي تأخير في تنفيذه سيزيد من تعقيد المشهد السوري، ما يهدد ليس فقط سوريا بل الاستقرار الإقليمي والعالمي.
فرصة للخروج من الانسداد السياسي
يتحدث الدكتور وانلي في سيرورته النضالية عن مبادرة التجمع الوطني الديمقراطي لعقد “المؤتمر السوري للإنقاذ”، الذي كان يراه ضرورياً لتجاوز حالة الانسداد السياسي الحالية. وقد وضع شروط انعقاد ذلك المؤتمر:
-
-
- تحقيق توافق وطني واسع بين القوى السياسية السورية.
- توفير دعم دولي دون تدخل أو ضغوط خارجية.
- الالتزام بقرارات الانتقال السياسي، خاصة القرار 2254.
-
كانت رؤية الدكتور وانلي:
المؤتمر السوري الإنقاذ يمكن أن يكون نقطة تحول حقيقية، شرط أن يلتزم المشاركون بمبادئ وطنية واضحة تقوم على وحدة سوريا واستقلالها، بعيداً عن أي مشاريع انفصالية أو أجندات خارجية. “د. وانلي”
ضرورة الحوار مع قوى المعارضة الأخرى
حول العلاقة مع قوى المعارضة الأخرى مثل الائتلاف الوطني السوري أو تحالف استقلال سوريا، يؤكد الدكتور وانلي أن التجمع الوطني الديمقراطي منفتح على الحوار مع جميع القوى الوطنية التي تلتزم بالثوابت الوطنية. يشدد على أهمية إصلاح الهياكل التنظيمية للمعارضة لتصبح أكثر تمثيلاً للشعب السوري وأكثر قدرة على تحقيق أهدافه لمواجهة التحديات عقب انتصار الثورة الذي تحقق في 8 كانون الأول 2024.
رؤية شاملة: سوريا محور استقرار المنطقة والعالم
يقدم الدكتور وانلي قراءة استراتيجية للأزمة السورية، معتبراً أن استمرار الصراع سيجعل سوريا بؤرة لعدم الاستقرار الإقليمي والدولي. يحذر من أن تفاقم الأوضاع قد يؤدي إلى صراعات أوسع، خصوصاً في ظل التصعيد الحالي بين القوى الإقليمية مثل إيران وإسرائيل. كما يؤكد أنَّ التجمع الوطني الديمقراطي يسعى لاستثمار هذه المخاطر كورقة ضغط على المجتمع الدولي، محذراً من أنَّ تأخير صياغة استراتيجية سوريا بعد الإنتصار سيربك العالم بأسره.
قراءة تحليلية
تكشف تصريحات الدكتور وانلي عن مشروع سياسي طموح يهدف إلى بناء دولة سورية حديثة قائمة على الحرية والعدالة الاجتماعية. تتسم رؤيته بالشمولية والواقعية، حيث يدرك أن النجاح يتطلب تضافر جهود الشعب السوري ودعماً دولياً حقيقياً.
يبقى التحدي الأكبر أمام التجمع الوطني الديمقراطي هو تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس وسط بيئة سياسية معقدة ومشحونة بالخلافات. مع ذلك، يُظهر الدكتور وانلي تفاؤلاً وإصراراً على مواصلة العمل لتحقيق طموحات السوريين، واضعاً أسساً لمشروع وطني شامل قد يكون بداية الطريق نحو بناء سوريا جديدة. “د. وانلي”
ويقول أيضاً:
إن البيئة السياسية السورية اليوم تُعَدُّ واحدة من أعقد المشاهد السياسية على مستوى العالم. فالصراع لم يعد داخلياً فقط، بل تحوّل إلى صراع إقليمي ودولي تتداخل فيه مصالح الدول الكبرى والقوى الإقليمية. “د. وانلي”
يعي الدكتور صلاح وانلي، من خلال أحاديثه، اليوم، مدى تعقيد المشهد، حيث أشار إلى أن تخوفه من حدوث فراغ سياسي عقب سقوط الأسد المفاجئ في 8 كانون الأول 2024 فيما إذا فشل فرقاء المعارضة في التوافق على اختيار لجنة رشيدة تتولى الفترة الانتقالية التي تسبق صناديق الإنتخاب للإقتراع على أول حكومة لسوريا ما بعد التحرر من نظام الأسد الاستبدادي. ويحذر من استمرار الصراع بين الفرقاء دون الوصول إلى ترسيخ الديمقراطية الحقَّة، مما سيؤدي إلى مزيد من الفوضى، يجعل سوريا مهددة بمزيد من الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية.
استراتيجية التجمع الوطني الديمقراطي
لمواجهة هذه التحديات، يتبنى التجمع الوطني الديمقراطي استراتيجية واضحة تتلخص في النقاط التالية:
- التركيز على الوحدة الوطنية: يشدد الدكتور وانلي على أن الوحدة بين القوى الوطنية ليست خياراً بل ضرورة.
- “التجمع الوطني الديمقراطي السوري”: يعمل على تجاوز الخلافات بين كل الأطراف -بمختلف مشاربها- من خلال الحوار وبناء التفاهمات على أسس وطنية.
- التحام القوى الوطنية في الداخل مع أندادها الخارج: بينما يحرص التجمع على تعزيز حضوره داخل سوريا، فإنه يولي اهتماماً كبيراً للعمل الدبلوماسي بشكل موحد مع المجتمع الدولي، لإبقاء القضية السورية على الأجندة العالمية.
انتصار الثورة يجُّب ما قبله
يعتبر التجمع أن القرار الأممي 2254 الذي كان المرجعية الأساسية لأي حل سياسي ناجع، لم يعد مناسباً للتطبيق بحرفيته بعد سقوط الأسد، ويجب الطلب إلى الجهات الأممية إعادة النظر فيه مجدداً إذا لم يتم إلغاؤه. وكذلك الطلب من الدول المعنية بالأزمة السورية إلى إعادة النظر في قرارات العقوبات المفروضة على سوريا في فترة سيطرة النظام على مقاليد الحكم بعد أن زالت الأسباب التي أوجبت إصدارها.
رؤى مستقبلية لسوريا الجديدة
في الرؤية التي طرحها الدكتور وانلي، تبدو سوريا المستقبل دولة مدنية ديمقراطية تقوم على مبادئ المواطنة والمساواة.
-
-
- سوريا موحدة: يرفض التجمع أي مشروع انفصالي أو محاولة لتقسيم البلاد، مؤكداً أن وحدة التراب السوري أمر غير قابل للتفاوض.
- سوريا بلا استبداد: يضع التجمع القضاء على الاستبداد والفساد كأساس لإعادة بناء الدولة، حيث ستكون دولة المؤسسات والقانون بديلاً عما كانت عليه خلال نظام القمع الأسدي.
- سوريا للجميع: يرى الدكتور وانلي أن التنوع الثقافي والديني والاثنيّ هو أحد أعمدة الهوية الوطنية السورية، داعياً إلى نظام يكفل حقوق الجميع دون تمييز.
-
أهمية الدعم الدولي
يدرك التجمع الوطني الديمقراطي أن سوريا الجديدة تتطلب تعاوناً دولياً. فقد شدد الدكتور وانلي على أهمية العمل مع الدول المؤثرة في أوضاع دول المنطقة، التركيز على ضرورة استقلال القرار الوطني السوري.
وفي هذا السياق، يسعى التجمع إلى ضمان أن أي دعم دولي لا يتحول إلى أداة للوصاية، بل يكون محفزاً لدفع عملية الانتقال السياسي بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري.
الختام:
هل يمكن للتجمع الوطني الديمقراطي قيادة المرحلة؟
في تصريحاته، يقدم الدكتور وانلي نموذجاً لقيادةٍ وطنية سياسية واعية بالتحديات والفرص. فمن خلال رؤيته المتكاملة واستراتيجيته الواقعية، يضع التجمع الوطني الديمقراطي نفسه نداً لأبرز الأطراف القادرة على توجيه مسار المعارضة السورية نحو حل شامل ومستدام.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل ستتمكن القوى الوطنية السورية من تجاوز خلافاتها والعمل معاً لتحقيق هذا الهدف؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب إرادة سياسية مشتركة، ودعماً شعبياً ودولياً، بالإضافة إلى قيادات قادرة على تحويل الأمل إلى واقع. والدكتور صلاح وانلي، بما يمثله من تجربة سياسية وإنسانية، يبدو مؤهلاً ليكون جزءاً من هذا المشروع الوطني الطموح.
سوريا الجديدة تنتظر جهود أبنائها المخلصين، والتجمع الوطني الديمقراطي يضع نفسه في طليعة هذا الجهد لبناء مستقبل أفضل للشعب السوري.