أصداء إسقاط النظام ما زالت مدويَّة
بعد أنْ تمَّ تدويل قضية الثورة السوريَّة في باكورة انتفاضتها السلميَّة، مطالبةً بإسقط نظام الأسد الاستبدادي عام 2011، ما زال الشعب السوري يبحث في زواريب السياسة العالمية عن حلٍّ سحريٍ يحقق مطالبهم، خاصة بعد انشغال العالم بحرب غزة. ومما زاد الأمل ضعفاً في إمكانية إعادة الاهتمام الدولي بالمسألة السوريَّة، هي الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في مختلف بلدان العالم، حيث هناك ما لا يقل عن ثلاثة مليارات ناخب في 77 بلداً سيدلون بأصواتهم خلال هذا العام 2024. ويعتبر الحدث الأهمُّ هو الصراع الإنتخابي على البيت الأبيض بين الجمهوريين والديمقراطيين التي طالما تناقضت وجهات نظرهم حيال الأزمة السوريَّة.
عام جديد وتكهثَّات مستجدَّة
عندما سميَّ عام 2024 بـ”عام الانتخابات الأكبر“، ازداد قلق السوريين الذين ينتظرون معجزة حقيقية، ربما تأتيهم في ظل ضباب سياسي عالمي يغطي سماء الكون، خاصة بعد مضي ثمانية أعوام من الفشل في تنفيذ القرار الأممي الصادر في عام 2254. ومما زاد المشهد في المنطقة تعقيداً، هو ابتعاد التوافق الدولي حول مستقبل المنطقة بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة عقب هجمات 7 تشرين الأول عام 2023.
إنَّ المفارقات في ترتيب خارطة موحدة للاصطفافات الدولية والإقليمية حيال شرق أوسط جديد ما زالت حادة ومتباعدة. وهذا ما جعل من استمرار نظام الأسد وفق حسابات الدول السيادية ضرورة مرحلية لضبط أذرع إيران العسكرية في فترة إرهاصات هذا المخاض، وأصبح ذلك أكثر قبولاً – اليوم- من قبل بعض الجهات الدولية ذات النفوذ.
آثار طوفان الأقصى
فتحت قوة المقاومة الفلسطينية التي تجلّت في حرب في غزة بوابات عديدة لتدخل منها جهات فاعلة -كانت تعتبر استثنائية- لأنْ تحقق نجاحات جيوسياسية على حساب المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال ازدياد شعبية إيران وذراعها من الميليشيات التابعة لها، وتشفي إداة بوتين من المواقف الغربية التي كانت سابقة غير متوقعة ضد غزو الروس لأوكرانيا. وعلى المقلب الآخر من العالم، باتت سياسات بكّين ضد الولايات المتحدة بما يتعلق ب”تايوان”، أكثر دفئاً وقرباً من قضايا شعوب المنطقة العربية بالأخصّ فلسطين،بغية تسجيل مواقف سياسية تتحدى بها السيطرة الأمريكية الكلاسيكية على دول العالم.
ورقة الجوكر
أما اللاعب التركي، بعد أن بسط يده على جزء من سوريَّة، وعزز موقفه الإقليمي بذريعة القضاء على الأحزاب الكردية التي تناؤه العداء، ازداد طموحه بأن يكون قوة إقليمية فاعلة، وعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في الاستفادة وجوده في سورية ومن إعلانه الصريح بالوقوف مع الفلسطينيين في حرب في غزة. وبذلك أصبح الموقف التركي أكثر قرباً مع المحور الثلاثي (الإيراني والروسي والصيني)، وفي الوقت ذاته، بقي في الخفاء حليفاً مع الغرب، وفي الظاهر أكثر ابتعاداً عن واشنطن والدول الغربية المؤيدة لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها.
كلاسيكو اللاعبين التقليديين
كانت ردود فعل بعض الدول العربية الساعية إلى إتمام صفقة التطبيع مع إسرائيل توحي بشيء من التذمر -وربما من عدم موافقتها- حيال العمليات العسكرية في عملية طوفان الأقصى التي فاجأت الإسرائيليين، الأمر الذي أدى إلى ارتباك بعض التحالفات السياسية بين العديد من الدول المعنية بملف التطبيع. وهذا بدوره أحدث -أيضاً- تبدلاً في مواقفهم تجاه الصراع السوري.
وهكذا أصبحت بعض الدول العربية والإسلامية ونظام الأسد وتركيا وإيران وروسيا أقرب سياسياً لبعضهم البعض أكثر من أي وقت مضى خلال العقد الماضي، مما زاد في تناقص التركيز الدولي -المتضائل أساساً – حول الأزمة السوريَّة. وهو السبب الذي سمح للقوات السوريَّة والروسية العودة لاستكمال تنفيذ هجمات وحشية ضدّ المدنيين في المناطق المحررة (منطقة إدلب شمال غربي سوريَّة) التي تسيطر عليها العصابات المسلحة الإسلامية ، مستغلةَ بداية انشغال العالم الفعلي بما يحدث في غزة. وبالفعل غض العالم طرفه ولم يكترث منهم أحداً -حتى الأتراك- حيال تلك الهجمات المميتة.
الصفعات طالت خدود الأمريكيين
في الوقت نفسه، تلقت القوات الأمريكية في مناطق انتشارها في سوريَّة وابلاً من حمم نيران أذرع إيران العسكرية وميليشياتها، خاصة المنتشرة في العراق وسوريَّة. وفي المقلب الآخر، طالت المناطق الخاضعة للقوات الكردية الحليفة لواشنطن هجوماً شرساً من قبل الطيران الحربي التركي، استهدفت فيه البنى التحتية ومصادر الطاقة، وأصابت بعض المدنيين من الأكراد والعرب على السواء. وقد تذرعت تركيا بأن هجومها كان رداً على تمادي الأكراد عندما أقدموا على إرسال مسلحين للهجوم على وزارة الداخلية التركية بداية شهر تشرين 2023.
من المؤكّد أنّ الهجمات المتكررة على قواعد التحالف الدولي من قبل الميليشيات المرتبطة بإيران انطلاقاً من سوريَّة والعراق، والقصف التركي المتعمّد على البنية التحتية في شمال شرق سوريَّة، يسهمان جنباً إلى جنب في تقويض الاستقرار بالمناطق المحررة.
ردود فعل الأمريكان على قصف قواتها
أثار ذلك الهجوم بعض أعضاء الإدارة الأمريكية من المشرعين الأمريكيين (الديمقراطيين والجمهوريين) على حد سواء، واعتبروا هذا الأمرً غير مستساغ بالنسبة لهم. وعلى الفور قاموا بطُرح مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي يطالب بخروج القوات الأمريكية من سوريَّة. وهذا القرار لم يلق موافقة الأكثرية، بل أدى -فقط- إلى زيادة الأصوات التي تطالب بضرورة التحضير لأي انسحاب أمريكي في المستقبل القريب من سوريَّة والعراق.
وريثما يتحقق للأمريكان ما يصبون إليه، سيبقى تصعيد الحرب بالوكالة على الأرض السوريَّة، وهو ديدنهم، ولو تسبب بمزيد من التجويع والقتل والتدمير والنزوح الداخلي للسوريين، أوتفاقمت موجات الفارين من الموت بإتجاه الدول الأوروبية في ظل غياب مناخ دولي مناسب حازم لإيجاد تسوية دولية تجعل الانتقال الى نظام ديمقراطي شامل يمنع تآكل “الهوية السوريَّة”، ويحقق أماني السوريين.
الختام
السؤال الذي يفرض نفسه: هل ستطول فترة الانتظار هذه؟
تأتي الإجابة من تصاعد محاولات السوريين حوامل الجانب السياسي المدني في النضال السوري، خاصة ذلك الحراك الذي يترافق مع الذكرى الثالثة عشر للثورة السوريَّة الذي يقوم فيه الثوار الشرفاء في المناطق المحررة لإسقاط هيمنة العصابات التي تعيث فساداً منتحلة صفة (الإسلامية) زوراً، كي تخفي هويتها المنضوية تحت أجندة النظام الأسدي في دمشق.
ولا بدَّ أن نشيد، مع إعجابنا الكبير، لما تقدمه الجالية السوريَّة الأمريكية من جهودٍ حثيثة ٍتبذلها إلى جانب الجاليات السوريَّة الأخرى في دول العالم التي تختزل مهمة المجتمع المدني في داخل سوريَّة وخارجه كي تلعب دور “الممثل الشرعي” للثورة للتعويض عن الفساد والعطب الذي أصاب المجلس الوطني وفرخه الأحدث المسمى الإئتلاف الوطني الذي تهيمن عليه شرذمة من المأدلجين في حزب الإخوان المسلمين الذي وضع نفسه رهينة عند الأستاذ الأعظم الإستانبولي.
وإلى أن يشرق فجر الحرية من جديد، ندعو الرحمة لشهداء الحرية والصبر للمكلومين بأذيَّات الطاغية ،والثبات على النضال لكل الأشراف من الوطنيين الذين يقفون وراء متراس الحرية والكرامة.