مقدمة
ها هي الثورة السورية قاربت على دخول عامها الثالث عشر وما تزال قوافل الشهداء من المواطنين الأبرياء تترا. وما يزال المجتمع الدولي والعالم يضمر المُكر لإبقاء نظام الأسد رغم تغَولِّه بقتل شعبه، ويريدون أن يجهز الأسد على ثورة شعبه المباركة ويدفنها، وأن يعيدوا الشعب السوري الأبيّ إلى حظيرة القاتل الطاغية مستذرعين بحجج واهية لا يقبلها عقل وعلى رأسها محاربة الإرهاب، وكأن النظام حمل وديع.
الحقيقة التي لا يماري فيها إلا أعمى البصيرة، هو أن أكبر إرهابي في العالم بأسره نظام الأسد. وقد رأيت كثيراً من المؤيدين (المحبكجية) والأبواق المرتزقة يتغنون ببطولات الجيش العربي السوري ويصفقون له، فهيج هذا السلوك شؤوني وشجوني وآلامي وحطم آمالي، مما حرضني على الكتابة عن جذور هذا الجيش العقائدي وتربيته وايديولوجيته قبل اندلاع الثورة.
الخدمة الإلزامية مقرونة بالإذلال
بعد أن أنهيت دراستي الجامعية في تسعينيات القرن الفارط دعيت إلى الخدمة الإلزامية التي لا مفر منها، وكانت مدتها عامان لمن يحمل شهادة جامعية وعامان ونصف لمن لا يحمل الشهادة، ومن سوء حظي أنني فرزت إلى القوات الخاصة سيئة الصيت – وكل الجيش العقائدي سيء الصيت لكن على درجات – وكانت العلاقة بين الضباط والعساكر – وهذه المعلومة يعرفها كل السوريين – علاقة مصالح بحتة خالية من أي قيمة أخلاقية أو إنسانية، فالضابط لا يهمه سوى أمر واحد فقط أن يأتيه العسكري بالرشا والهدايا حتى يمنحه الإجازات أو يخفف عنه شقاء التدريب، وإذا كان العسكري فقيراً فإنه يمنع من الإجازات إضافة إلى إنزال أشد العقوبات به فقط لأنه لم يقدم الرشاوى للضابط أو لا يستطيع.
ولو توقفنا عند تركيبة ضباط الجيش وثقافته وألفاظه لقلنا ومن دون مبالغة إن تسعين بالمئة من الضباط هم ينتمون إلى طيف واحد والعشرة المتبقية من الطوائف الأخرى ولا يمكن للضابط المنتسب إلى الجيش من الطوائف الأخرى أن يكون مقبولا إلا إذا كان على نهج زملائه من الانحراف وسوء الخلق وإلا يُفصل ويُطرد.
طلاوة اللسان وكياسة القول
أما المعجم اللفظي الذي كان يحفظه الضباط عن ظهر قلب ويرشقون به العساكر فهو نوعان لا يكاد يتجاوزهما إلا قليلاً النوع الأول الشتم والسب بالعرض والأم والأب والأخت والنوع الثاني الكفر البواح.
وكان التدريب الذي يخضع له العسكري تدريب بدائي غايته التعذيب والإهانة، فيقضي العسكري معظم وقته في الرياضة الشاقة وفك وتركيب البندقية الروسية ومعظم أوقات التدريب تذهب في العقوبات كإيقاظه مثلا في منتصف الليل ثم صب الماء البارد على جسده العاري في الليالي الشاتية والقارسة البرد. ويستخدم الضابط في كثير من الأحيان يده أو عصا لضرب العساكر، وهناك مصطلحات وممارسات يعرفها العساكر السوريون (الفلقة والجاموقة) وهي قمة الإهانة والذل.
-
الفلقة:
- تتجلى في إشراك ثلاثة عناصر على تعذيب الفرد بأن يضع اثنان قدميه داخل حزام البندقية والثالث يبدأ جلده بدرة غليظة والضابط يقف على رأسهم ليحصي ويعد الجلدات.
-
الجاموقة:
هي أن يأمر الضابط العسكري بأن يخلع ثيابه ثم يدهن نفسه بالقاذورات النجسة من المجارير. يترك معروضاً أمام الجميع لساعات طويلة مهما كان قيظ الحر في الصيف أو برد الشتاء.
ابتزاز لا مفرَّ منه
إن عقيدة الضابط الصغير والكبير وحتى الجنرال تتلخص في كيفية ابتزاز الجنود، يتفننون في كيفية جمع الرشا من العساكر … حتى شاع مصطلح بين العساكر هو (التفنيش)ويعني هذا المصطلح أن العسكري صاحب الثراء لا يحتاج للمجيء إلى الثكنة إلا في الشهر مرة واحدة يدفع مبلغاً كبيراً للضابط ثم يعود إلى بيته ويبقى على هذا النهج إلى نهاية خدمته وإذا كان الضابط ذا رتبة عالية فإنه يوظف شبكة حوله من صف الضباط الذين يثق بهم فيتفق معهم على نسبة ويبقى هو بعيداً عن الأضواء حتى يحفظ ماء وجهه قليلاً فيجمعون له الأموال من العساكر الأغنياء ثم يكافئهم بفتات من الغنيمة ولا يستغل عرق جبينهم.
المباح والمحرَّم
ولو أتينا إلى قائمة الممنوعات والمسموحات العملية وليست النظرية، أي التي تمارس على أرض الواقع وليست القوانين المسطرة في الكتب، لوجدنا ثمة ضابط برتبة رائد أو مقدم مسؤول عن في فرع التوجيه السياسي تنحصر مهمته في مراقبة سلوكيات العساكر والضباط وتوجهاتهم وأفكارهم من قبله مباشرة أو عبر توظيف بعض المخبرين على زملائه (لقلوق – عوايني – فسفوس)فإذا وجد عسكرياً يصلي مثلا يكتب فيه تقريراً فيساق إلى التحقيق بتهمة الانتماء إلى تيارات إسلامية وأما إذا كان يشرب الخمر ويمارس كل الموبقات فلا حرج في ذلك.
في الختام
إن أصعب مرحلة في حياة الشاب السوري هي مرحلة خدمته العسكرية في هكذا جيش عقائدي. لذلك تجده يفكر كيف سيمضي أيام خدمته، وكثير من الفتية في ريعان السباب تنتابهم حالة رهاب منذ نعومة أظفارهم. هذا غيض من فيض على وطنية الجيش العقائدي المصمم لحماية النظام الأسدي.
هذه المهمة المقدسة قد حان قطاف ثمارها عندما انبرى الجيش العقائدي للتصدي للمتظاهرين سلمياً عند بدء انفجار الثورة المباركة… فما بالكم بما جرى بعدها!