مقدمة:
بعد الحرب الأخيرة في قطاع غزة، بدأت إسرائيل في إعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية وتحليل الأوضاع المحيطة بها بعناية شديدة. من بين هذه الأوضاع، تبرز العلاقات مع سوريَّة كواحدة من أبرز التحديّات والفرص التي تواجه إسرائيل في الوقت الراهن، حيث يقال الآن “هل أصبحت إسرائيل بعد حرب غزة أمام سورية نمر من ورق؟“
تحليل الوضع الراهن:
بعد سنوات من الصراع الدائر في سوريَّة، وصلت إسرائيل إلى تفاهمات مع القوات الروسية المتواجدة في مناطق النظام السوريَّ بهدف تفادي التصعيد وضمان أمن حدودها الشمالية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات أمنية تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل، بما في ذلك تواجد الميليشيات الإيرانيّة وتهديداتها لأمن إسرائيل.
التحديّات الأمنيّة:
تتمثل التحديّات الأمنيّة الرئيسيّة التي تواجه إسرائيل -حالياً- في التهديدات الإيرانيّة المتزايدة في المنطقة، وخاصة في سوريَّة ولبنان. فإيران تستخدم هذه البلدان كقاعدة لنفوذها الإقليميّ ولدعم ميليشياتها وتنفيذ أجندتها الإقليميّة، مما يشكل تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل.
العلاقات الإقليميّة:
تتأثر العلاقات بين إسرائيل وسوريَّة بشكل كبير بالديناميات الإقليميّة الأوسع، بما في ذلك العلاقات مع إيران وروسيا والقوى الإقليميّة الأخرى.
تأثير علاقة إيران بسوريَّة:
تلعب العلاقة بين إيران وسوريَّة دوراً حاسماً في تحديد الديناميات الإقليميّة والأمنيّة في المنطقة. فإيران، كواحدة من أبرز الأطراف الداعمة للنظام السوري، تسعى إلى تعزيز نفوذها في سوريَّة من خلال دعم النظام السوري والميليشيات المواليّة لها. ومن خلال هذه العلاقة، تمتلك إيران قدرة كبيرة على التأثير في التطورات السياسيّة والأمنيّة في سوريَّة، وبالتالي تؤثر على توازن القوى في المنطقة بشكل عام.
تأثير هذه العلاقة على إسرائيل يكمن في زيادة التوترات الأمنيّة والتحديّات التي تواجهها على الحدود الشماليّة من قبل حزب الله كذراع إيراني مدجج بالسلاح، حيث يُعتبر التواجد الإيراني في سوريَّة تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل. فإيران تستخدم سوريَّة كمنصة لتوجيه التهديدات والهجمات ضد إسرائيل، سواء من خلال القوات الإيرانيّة المباشرة أو عبر تفويضات للميليشيات المواليّة لها في سوريَّة. خاصة لأنَّ إيران تاريخياً تتهرَّب من الصدام مع الجانب الاسرائيلي بسبب هدفها في التوسع لتصديرالثورة من جهة، واستكمال مشروعها النووي من جهة أخرى. لهذين السببين لا تريد إيران أي تغيير في قواعد اللعبة. ومثال ذلك تجلّى واضحاً في هجومها المُعلن مسبقاً على اسرائيل كأول مبادرة خجولة، فسرها المراقبون بأنها إشارة إلى قوتها وحسب.
لذا، فإن تحليل العلاقة بين إيران وسوريَّة يعزز فهمنا للتحديات التي تواجه إسرائيل، ويبرز أهمية التعاطي مع هذه العلاقة بشكل شامل واستراتيجي لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
تأثير على استراتيجية الإدارة الأمريكيّة واستشراف مستقبل الأسد:
تشكل الأحداث الأخيرة في سوريَّة، بما في ذلك العلاقات المعقدّة مع إيران وتداعيات الحرب في سوريَّة، تحدياً كبيراً أمام الإدارة الأمريكيّة. فمنذ بداية الثورة السوريَّة، اتخذت الولايات المتحدّة مواقف متعددة تجاه النظام السوري، وذلك بما في ذلك دعم المعارضة المعتدلة والتصعيد الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن التحولات الجيوسياسيّة والتغيرات في الديناميّات الإقليميّة تجعل استراتيجية الولايات المتحدّة تجاه سوريَّة أكثر تعقيداً وتحدياً. على الرغم من التزام الإدارة الأمريكيّة الحاليّة بدعم الحل السياسيّ للأزمة السوريَّة، والتأكيد على ضرورة رحيل الأسد كجزء من أي تسوية سياسيّة، إلا أن التأثير المتنامي للنفوذ الإيراني والدور الروسي في دعم النظام السوري يضعف من فرص تحقيق ذلك بسهولة.
من جانبها، تجد الإدارة الأمريكيّة نفسها مضطرةً لتحقيق توازن دقيق بين دعم العناصر المعتدلة داخل سوريَّة، وتجنب التصعيد المباشر مع القوى الإقليميّة المتورطة في النزاع، مثل روسيا وإيران. ومع استمرار التدخلات الخارجية وتعقيدات المشهد السوريّ، يتزايد الضغط على الولايات المتحدّة لتطوير استراتيجيّة شاملة تحقق الأمن والاستقرار في سوريَّة والمنطقة بشكل عام.
بالتالي، يتعين على الإدارة الأمريكيّة تقديم استراتيجيّة شاملة ومتكاملة تجاه سوريَّة، تأخذ في الاعتبار التحديّات الأمنيّة والسياسيّة القائمة، وتستهدف تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة بشكل شامل.
دور الدول العربية واللاعبين الإقليميين:
تلعب الدول العربية دوراً مهماً في تأثيرات حرب غزة وتداعياتها على مستقبل نظام الأسد في سوريَّة. على سبيل المثال:
- تشكل مصر عاملاً مهماً في الساحة الإقليمية، حيث تلعب دوراً رئيسياً في التوسط لتحقيق هدنة واستقرار دائم في قطاع غزة، وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على الأوضاع في سوريَّة.
- تمتلك السعوديّة ودول الخليج العربية تأثيراً كبيراً على الساحة الإقليميّة، وتسعى إلى تعزيز استقرار المنطقة والتأثير في الأحداث السياسية، بما في ذلك الأزمة السوريَّة. ومن الممكن أن تتخذ هذه الدول مواقف وتدابير تؤثر على تطورات الأوضاع في سوريَّة، سواء من خلال الدعم الماليّ أو السياسيّ للفاعلين المحليين أو من خلال الضغط الدبلوماسيّ على الأطراف المعنيَّة.
دور اللّاعب التركي:
تمتلك مصالح استراتيجية في سوريَّة، وتسعى إلى تحقيق تأثير متزايد في المنطقة. وقد اتخذت تركيا مواقف متنوعة خلال الأزمة السوريَّة، بدءاً من دعم المعارضة السوريَّة المسلّحة إلى الانخراط في عمليات عسكريّة داخل سوريَّة. يمكن أن يؤثر دور تركيا في تطورات الأوضاع في سوريَّة، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على الأوضاع في شمال سوريَّة ومستقبل الحكم في المناطق التي تسيطر عليها.
وبإيجاز، بهذه الطريقة، فإن دور الدول العربية واللاعبين الإقليميين الآخرين يمثل عاملًا مهمًا في تشكيل المشهد السياسي والأمني في سوريا، وقد يلعبون دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل النظام السوري والتوجهات السياسية في الساحة الإقليمية. وتظل الأزمة السوريَّة والصراعات المحيطة بها تشكل تحدياً كبيراً لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
سيناريوهات المستقبل:
يبقى مستقبل العلاقات بين إسرائيل وسوريَّة محاطاً بالغموض، كما ليس من أحد يستطيع التكهّن -بشكل يقارب الجزم- بالنتائج بسبب وجود عوامل عديدة ما زالت خافيّة في كواليس الإدارة الأمريكيّة ،التي تؤثر على التطورات المستقبلية، بما في ذلك الديناميات الداخلية في كل المنطقة المرتبطة بأجندات القوى الإقليميّة والدوليّة.
الخاتمة:
في ظل التحديّات الأمنيّة المتزايدة والتغيرات الجيوسياسيّة في المنطقة، تظل العلاقات بين إسرائيل وسوريَّة محوراً رئيسياً للتحليل والمراقبة. وبعد الحرب الأخيرة في قطاع غزة ومناوشات حزب الله شمال إسرائيل، وتصاعد التوترات في المنطقة، يتعين على الدولتين تقديم استراتيجيات متكاملة للتعامل مع التحديّات الأمنيّة ،وضمان الاستقرار في المنطقة.
إن تعزيز العلاقات الإقليميّة وتحسين التفاهم المشترك يمثلان خطوة مهمة نحو تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، وتجنب المزيد من التصعيد والصراعات الدموية. كما يتعين على القوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدّة، تبني سياسات تعزز الحوار والحلول السلميّة للصراعات في سوريَّة، وتدعم جهود تحقيق الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط.
مع استمرار التحديّات والتغيّرات في المنطقة، يظلُّ من الضروري أن تبقى الولايات المتحدّة وإسرائيل وسوريَّة ملتزمة بالبحث عن حلول سلميّة ومستدامة للصراعات، وتعزيز التعاون الإقليميّ والدوليّ من أجل تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في المنطقة.
من خلال تحليل العلاقات الإقليمية والتفاعلات الدولية، يمكن أن نفهم تأثيرات الأحداث الجارية على الوضع في سوريَّة وإسرائيل، وتكوين صورة أكثر وضوحاً لتطورات المستقبل. إن تقديم استراتيجيّات متنوعة وتعاون فعال بين الأطراف المعنية، يمكن أن يسهم في بناء مستقبل أكثر استقراراً وأماناً للجميع.
وتبقى الأسئلة الشائعة التي ترد على لسان المراقبين السياسيين بإنتظار الإجابة المؤكدة عليها:
- كيف ستؤثر الديناميات الإقليمية على علاقات إسرائيل وسوريَّة في المستقبل؟
- ما هي التحديّات الأمنيّة الرئيسيّة التي تواجه إسرائيل كي لا تصبح نمراً من ورق كما في الوقت الحالي؟
- هل توجد فرص لتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريَّة في المستقبل؟
- ما هو مصير نظام الأسد وتداعيات ذلك علة الثورة السوريَّة؟