“عم كِلافي” والصبيب الناري
قبل حوالي أسبوعين، وفي الساعات المُبكرة الأولى من يوم الجمعة الموافق 13 حزيران 2025، شهد الشرق الأوسط تصعيداً غير مسبوق، حينما شنت إسرائيل عملية “عم كِلافي” العسكرية، سلسلة من الضربات الجوية واسعة النطاق ضد أهداف حيوية داخل الأراضي الإيرانية. استهدفت هذه الضربات، التي وُصفت بالنوعية وغير المسبوقة، منشآت نووية حساسة، ومصانع صواريخ باليستية، بالإضافة إلى قيادات عسكرية وعلمية بارزة. لم تتأخر طهران في الرد، حيث أطلقت مئات المسيرات الانتحارية من طراز “آرش” والصواريخ الباليستية، التي استهدفت مراكز أمنية حساسة في مدينتي حيفا وتل أبيب، بالإضافة إلى مطارات حيوية. هذا التصعيد السريع والمتبادل يضع المنطقة أمام مفترق طرق خطير، ويطرح تساؤلات ملحة حول مآل هذه الحرب وآفاق التدخل الأمريكي، ويضع سوريا، كساحة عبور للصواريخ والطائرات، في عين العاصفة، مع ما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على مستقبلها المتردي أصلاً، وبخاصة في ظل ابتعاد إيران عن الساحة السورية.
رسائل استراتيجية مباغتة
إن عملية “عم كِلافي” الإسرائيلية لم تكن مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل كانت رسالة استراتيجية واضحة المعالم، تهدف إلى شل قدرات إيران النووية والصاروخية، وتقويض نفوذها. استهداف المنشآت النووية يشير إلى سعي إسرائيل لفرض واقع جديد يمنع إيران من حيازة السلاح النووي، أو على الأقل يعطل برنامجها لفترة طويلة. أما استهداف مصانع الصواريخ والقيادات، فيؤكد على رغبة إسرائيل في إضعاف القدرات الهجومية الإيرانية وشل عملية اتخاذ القرار لديها.
“آرش” تغطي سماء إسرائيل
جاء الرد الإيراني، عبر صواريخ “آرش” والمسيرات، ليؤكد على قدرة طهران على الرد والوصول إلى العمق الإسرائيلي، مع رسالة مفادها أن أي تصعيد سيواجه برد مماثل أو أشد. هذا التبادل الصاروخي يسلط الضوء على تآكل مفهوم الردع المتبادل، ويدفع بالمنطقة نحو دوامة من العنف يصعب احتواؤها.
مواقف متبايبة
تتسم المواقف العربية والغربية بتباين كبير، مما يعكس تعقيدات المشهد الجيوسياسي. فبينما أعربت بعض الدول الغربية عن قلقها ودعت إلى ضبط النفس، ركزت دول أخرى على إدانة الرد الإيراني، فيما انقسمت المواقف العربية بين داعٍ للتهدئة ومنددٍ بالاعتداءات المتبادلة. هذا التباين في المواقف يعكس مصالح كل طرف، ويزيد من صعوبة بناء جبهة إقليمية أو دولية موحدة لاحتواء الأزمة.
سوريا … حيادٌ معلن وساحة مفتوحة لتراشق الخصمين
ضمن هذا التصور تُعد سوريا من أبرز الدول التي ستتأثر بشكل مباشر بانعكاسات هذه الحرب، ليس فقط لكونها في مسار الصواريخ والطائرات المتبادلة، بل لأنها أصبحت بالفعل ساحة عبور قسرية للصواريخ والطائرات الإسرائيلية والإيرانية على حد سواء. خلال عمليات “عم كِلافي” والرد الإيراني، سقط عدد من الصواريخ والمسيرات فوق الأراضي السورية، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني والأمني والاقتصادي المتردي أصلاً. تجدر الإشارة هنا إلى أن إيران قد خسرت و بشكل كامل تواجدها العسكري المباشر وقواعدها في سوريا، ولم تعد تمتلك حلفاء على الأراضي السورية، مما يغير من طبيعة انعكاسات الحرب على الأراضي السورية مقارنة بسيناريوهات سابقة.

ولكن ذلك لا يكفي ألا يدق ناقوس الخطر بوابة سوريا حيث من المتوقع تفاقم الأوضاع الاقتصادية حيث تعاني سوريا أصلاً من انهيار اقتصادي غير مسبوق، نتيجة سنوات من الصراع، العقوبات الدولية، والفساد المستشري. مرور الصواريخ وسقوط بعضها على الأراضي السورية سيؤدي إلى المزيد من التدهور الاقتصادي، حيث تتأثر البنية التحتية الهشة، وتتراجع الاستثمارات، وتزداد معاناة المواطنين من الفقر والجوع. أي تصعيد في المنطقة سيعزل سوريا أكثر عن العالم الخارجي، ويقلص فرص التعافي الاقتصادي.
ناقوس الخطر يدق
من المتوقع أن يكون هناك استغلال للفوضى حيث يمكن تصاعد التوتر الأمني والعسكري، لطالما كانت الأراضي السورية مسرحاً لعمليات عسكرية متعددة الأطراف طيلة سنوات الحرب السابقة ومن المؤكد إذا أستمر التصعيد ستصبح سوريا أكثر عرضة للضربات الجوصواريخية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، إما بشكل مباشر كأهداف لطائرات أو تعبر أجواءها، أو كأرض يسقط عليها حطام الحرب. هذا الوضع يزيد من حالة عدم الاستقرار، ويهدد حياة المدنيين الأبرياء.
دون تجاهل خطورة هذا الصراع الأقليمي على المجتمع حيث تعيش سوريا حالة انقسام اجتماعي وطائفي عميق، تغذيه الصراعات المستمرة ونقص الرؤية لمستقبل موحد. هذه الحرب ستعزز من الخطاب الطائفي، حيث قد تستغل أطراف الصراع هذا الانقسام لتجنيد المزيد من المقاتلين، وتأجيج النزاعات الداخلية، مما يدفع بسوريا نحو مزيد من التفكك والانقسام الجغرافي والاجتماعي.
الضباب يغطي مستقبل سوريا
في الإطار الموضوعي لكل هذه التحديات، نجد أن سوريا تفتقر إلى رؤية واضحة لمستقبلها. لا توجد حلول سياسية واضحة، ولا أفق للسلام واضحة المعايير، مما يترك المجتمع السوري في حالة من اليأس والقنوط. هذه الحرب ستزيد من الضبابية حول مستقبل سوريا، وقد تدفع بالعديد من السوريين إلى الهجرة بحثاً عن الأمان والاستقرار.
وفي الإنتقال إلى المشهد الدولي تظل واشنطن اللاعب الأكثر تأثيراً في هذه المعادلة، حيث تتوقف مآلات الحرب إلى حد كبير على طبيعة وحجم التدخل الأمريكي. تاريخياً، حافظت الولايات المتحدة على التزامها بأمن إسرائيل، ودعمتها عسكرياً واستخباراتياً. في حال تصاعدت وتيرة الحرب.
الخيارات الأمريكية
تتراوح خيارات الإدارة الأمريكية بين:
- الدعم اللوجستي والاستخباراتي المكثف: قد تكتفي واشنطن بتقديم دعم عسكري ولوجستي واسع لإسرائيل، يشمل تزويدها بأنظمة دفاع جوي متطورة، ومعلومات استخباراتية دقيقة لتعزيز قدرتها على الدفاع عن نفسها وتنفيذ عملياتها الهجومية.
- التدخل العسكري المحدود: في حال تعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر، أو تصاعدت الهجمات الإيرانية بشكل كبير، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى تدخل عسكري محدود، يستهدف قدرات إيرانية بعينها، بهدف تقويض قدرات طهران دون الانخراط في حرب شاملة.
- التدخل العسكري واسع النطاق: وهو السيناريو الأكثر خطورة، وقد يحدث إذا ما شعرت واشنطن بأن الوجود الأمريكي في المنطقة أصبح مهدداً بشكل مباشر، أو إذا ما سقطت إسرائيل تحت ضغط هجمات إيرانية لا يمكن احتواؤها. هذا السيناريو قد يدفع بالمنطقة إلى حرب إقليمية أوسع، تشارك فيها قوى إقليمية ودولية أخرى.
من المؤكد أن أي تدخل أمريكي سيحمل في طياته مخاطر وتحديات جسيمة. فالصراع المباشر بين الولايات المتحدة وإيران قد يؤدي إلى تعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز، وارتفاع أسعار النفط العالمية بشكل غير مسبوق، وربما يتسبب في أزمات اقتصادية عالمية.
في الوقوف على حيثيات الصراع والأطراف اللاعبة في سوريا لا بد من التطرق إلى موقف الإخوان المسلمين في سوريا الواقع اليوم في مأزق بين حماس وسياسة أحمد الشرع الحيادية.
تداعيات متوقعة
في سياق هذه التطورات المتسارعة، يبرز تساؤل مهم حول موقف تنظيم الإخوان المسلمين. ويرى المراقبون السياسيون المتابعون للمشهد السوري فيما يتعلق بموقف أحمد الشرع، الذي يدأب الحفاظ على حياديّةٍ تامة، وسعيه ألا ينجر إلى أن يكون طرفاً مؤيداً سواء لإسرائيل أو لإيران، آخذاً بنصيحة تركيا عدم الانخراط أو الانحياز، حتى بالتصريحات لأي طرف من الأطراف المتصارعة. هذا الموقف يعكس براغماتية سياسية تهدف إلى تجنب جرّ مناطق نفوذه إلى صراع لا ناقة له فيه ولا جمل، والحفاظ على مسافة متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية تنفيذاً لأجنداتهم المُلزمة له التي أمليت عليه قبل الشروع ب(ردع العدوان).